في قديم الزمان وسالف العصر والأوان عاش في البصرة تاجر توابل إسمه حبيب وكان له دكان صغير في السوق
انت في الصفحة 7 من 7 صفحات
مرت عشرة أيام إشترى خلالها عبد الصمد بضائع مختلفة من صندل وأبنوس وعطور وعاج وجاء تجار آخرون فاكتروا مكانا في المركب وبعد شهر وصلوا البصرة فالتقى حبيب بامه التي فرحت برجوعه وملأ الدكان بما حمله من توابل الهند وراجت تجارته وصارت له ثلاثة دكاكين في السوق وغير داره وسكن في حي راقي لكي لا يراه أحد من أهل حارته الذين عرفوه وقت فقره وصار يتهرب حتى من الشيخ عبد الصمد ...
صار لحبيب كل ما يحلم به قصر في حي الرصافة وعبيد وبستان نخيل وسفينة في ميناء البصرة تجوب البحار من الهند إلى الصين لكنه رغم ذلك فلم يكن يشعر بالسعادة التي كان يجدها في حارته مع جيرانه و في دار أبيه الصغيرة التي تفوح منها رائحة الذكريات و بمرور الوقت بدأ يحن إلى الأيام الجميلة التي أمضاها في الواقواق و سرح بخياله لما كان يصطاد السمك مع بلال الذي يحبه كأخيه أو يسبح مع صديقته أميمة ولم يكلف نفسه حتى إرسال هدية لإسترضاءها فهي من تعب في جمع الجواهر من البحر لشراء السفينة وتساءل إن كانت هذه هي الحياة التي تمنى أن يعيشها و تذكر أهل الجزيرة الذين يعيشون سعداء ورغم ما عندهم من خيرات فهم لا يأخذون منها إلا حاجتهم ولا يفكرون في الربح وكان يرى الفقراء في أزقة البصرة يأكلون طعامهم ويضحكون فيحسدهم على راحة بالهم .وأحد الليالي حلم أن أميمة تجلس على صخرة وسط البحر وتغني بصوت حزين وقد جف جسدها الفضي وتشقق جلدها وتقول
يا ابن البصرة يا حبيب
لقد حزن قلبي
ولم ينفع فيه علاج
ولا دواء طبيب
سأموت إن لم تراك عيناي
روحي تناديك
فهل للنداء من مجيب
إستيقظ الفتى وتعوذ بالله فلقد كان الحلم حقيقيا لدرجة أنه شم رائحة البحر فبكى بكاءا عظيما وأيقظ أمه وطلب منها أن تعد أمتعتها للرحيل فسألته مندهشة إلى أين يا إبني أجابها إلى جزر الوقواق قالت ومنذ متى أقدر على ركوب البحر ثم ما الذي دهاك لتطلب مني ذلك في وسط الليل !!! أجابها لقد رأيت حلما أفزعني كانت فيه تلك الحورية ټموت قالت وما شأننا بها كان على أبيها أن يفكر قبل أن يرفض زواجك منها !!! رد عليها كفي عن النقاش وأسرعي بإعداد نفسك سنبحر في الساعات الأولى للفجر قالت المرأة وتجارتك لمن ستتركها أجاب سأقفل الدكاكين لحين عودتي هذا إذا عدت !!! همت أمه بالكلام لكنها صمتت فهي تعلم عناد إبنها وإذا وضع شيئا في رأسه فلا أحد يثنيه عن ذلك في الفجر جاء العبيد ونقلوا أكياسا من التمر والزاد وكثيرا من الملابس والهدايا من الذهب والفضة ثم رفع البحارة الأشرعة وبدأت السفينة تتهادى فوق الماء .
كان يجيبها وماذا ينفع المال يا أمي دون سعادة لقد إعتقدت أنه بدراهمي يمكنني شراء كل شيئ لكني كنت مخطئا فلا يصحبني الناس إلا عن طمع ومن يحبك يكون معك وقت الفقر لقد أحببنا بعضنا أنا وأميمة وكنت شريدا لا أملك شيئا وما دخل المال على قوم إلا أفسد ما بأنفسهم .
رأى حبيب الأسماك ومخلوقات البحر و هي تسبح حوله حتى لامست السفينة القاع ولما خرجوا من الحطام وجدوا مدينة
من المغاور الواسعة تضيئها قناديل البحرو كانت هناك ألحان جميلة تعزفها حورية على القيتارة بعد قليل جاء الملك ولما علم ما حصل قال هنا لا يوجد ظلم والبحر ملك للجميع وخيراته لا تنضب ثم أرى العبيد أين سيقيمونو أخد حبيب وأمه وقال لهما أنتما ستقيمان معي في القصرأما بلال فكلما يريد رؤية صديقه يقود زورقه ناحية الصخور فيجده مسلقيا مع أميمة تحت الشمسوهما في غاية السعادة ولما يسأله أليس حزينا لأنه خسر ماله وتجارته كان يجيبه هذا صحيح لكن بقي له الحب وهو أثمن من كل شيئ!!! لكن ملك البحر له رأي آخروأيقظ حوتا ضخما كان نائما منذ مئات السنين وقال له حان الوقت لنعيش بسلام وكلما رأيت مركبا قادما إلى هنا فأغرقه فلا يأت من الأغراب خير !!!وسمع عبد الصمد بقرار الملك فأتى بأهله وسكن الواقواق وكان ذلك آخر مركب رآه أهل الجزيرة وعاش الجميع في وئام ورزقت أميمة بتوأم ففرح حبيب وقال لإمرأته إنهما جميلان كأمهما أجابته ولهما مروءة أبيها !!! وتحكي الجدات في تلك البلاد لأحفادهن عن جنس وجد منذ زمن بعيد يغوص في البحر ويمشي على الأرض لكنه إنقرض الآن لكن من يدرى لعله مايزال موجودا ولا نراه ..
إنتهت .وإلى اللقاء في حكاية جديدة