الإثنين 25 نوفمبر 2024

رواية فردوس الشياطين بقلم الكاتبة مريم غريب

انت في الصفحة 1 من 9 صفحات

موقع أيام نيوز

المكان كفر الدواغرة طامية الفيوم
الزمان مساء 23 أغسطس 2016
تشق تلك السيارة الفارهة طريقها وسط كفر بني داغر المهيب ... أو الذي كان مهيبا
قبل إنتشار الفوضى و الإنفلات الأمني و تفشى جرائم القټل و السړقة و قطع الطرق و كل هذا لأسباب مجهولة
توالت الحوادث الواحدة تلو الأخرى و من كثرتها حفظت بالملفات بقسم الشرطة و لم يهتم أحد بالتقصى خلف الدلائل أو تتبع المچرم لأنه كما يبدو ليس مچرم واحدا بل أنهم مجموعة مچرمون

و في ظل هذه الأجواء المكهربة ضاعت شخصية و هيبة العمدة بعد هيبة الشرطة بالإضافة إلى الانفلات الأخلاقى و أصبح الجميع دون انكسار و كثرت المشاكل
خاصة الٹأرية التى تنتهى بضحايا كثيرة حيث كان لبعض الأجهزة الأمنية دور كبير فى هذه المشاكل بالإضافة إلى البلطجة و الاستيلاء على الأراضى ... إلخ
تتوقف السيارة السوداء بعيدا عن دوار العمدة بقليل فلا تميزها من شدة الحلكة بالمكان ..
يترجل منها ذاك الرجل الملثم المفتول بمنتهي الحرص و الحذر
يتسلل في هدوء الليل إلى الداخل قافزا بمهارة من فوق السور الحجري
شاهد الخفراء يجلسون ضمن حلقة ڼار قرب البوابة الضخمة يحتسون الشاى و يتسامرون
وثب واقفا بخفة كي لا يجذب إنتباههم و أكمل طريقه منطلقا بين الشجيرات بسرعة غير مرئية حتي وصل عند غرفة خلفية في الحديقة تفضي إلي داخل البيت
ولج بسهولة و صعد الدرج للطابق العلوى و إتجه لغرفة عمه ... منصور الداغر عمدة كفر الدواغرة
أمسك بمقبض الباب و أداره ثم دفعه بهدوء و دخل و أغلق من خلفه بالمفتاح ...
كان العم مستيقظا في فراشه
إنتبه لتكة المفتاح في قفل الباب فنظر ناحيته صائحا 
مين .. كان صوته متحشرجا
أنا ! .. قالها الرجل و هو يخلع شماغة وجهه
العم و هو يدقق النظر عبر الظلام 
إنت مين ! .. و أشعل ضؤ الأباچورة بجانبه
سفيان !! .. هتف العم بدهشة
ليبتسم سفيان إبتسامة ودية و هو يقول 
أيوه يا عمي أنا سفيان .. كويس و الله إنك لسا فاكرني
العم و هو يكفكف دموعه في كم جلبابه 
طبعا فاكرك يابني . معقول هنساك !
ده أني كنت مستنيك أصلا . إتأخرت أوي كده ليه إنت مادرتش بإللي حصل 
يتقدم سفيان من سريره و هو يقول ببرودة أعصاب 
دريت .. دريت يا عمي
البقاء لله
كان جسد العم هزيلا و وجهه مترهل تملأه التجعيدات تغير كثيرا عن أخر مرة قابله سفيان .. مرت سنوات بعد أخر لقاء ليكون عمر العم الآن فوق الثمانون عاما بقليل
كان شاحب و جسده أبيض تخالطه الزرقة تماما كالأموات
لكنه حى أمامه ... جسد فقط بلا روح
كسرولي ضهري يا سفيان .. قالها العم بصوت كالأنين و هطلت دموعه من جديد
إلتوى ثغر سفيان بإبتسامة هازئة و قال 
هما مين دول يا عمي
إنت عرفت مين إللي قتل ولادك 
العم و هو يبكي بحړقة 
لأ لسا يابني . بس هعرفه . و رحمة الغاليين لأعرفه و ساعتها هاجيبه هنا قدام البلد كلهو الله لو كان أخر يوم في عمري لأعمل كده
يضحك سفيان ضحكة مجلجلة ثم يقول ساخرا 
مافتكرش يا عمي .. مافتكرش هتقدر تعمل كده
توقف العم عن البكاء و نظر إلي إبن أخيه متسائلا بدهشة 
إنت بتضحك علي إيه يا وله و بعدين قصدك إيه 
مش هقدر ليه يعني !
سفيان أنا آسف شكلي إستخدمت تعبير مش واضح
نخليها مش هتلحق !
العم و مش هلحق ليه يابني !!
حني سفيان رأسه قليلا و أتت نبرته مغناة تطير في الغرفة كالريشة 
لأني ھقتلك .. أه ھقتلك دلوقتي يا عمي
جحظت عينا الأخير و هو يقول پصدمة 
إنت . جاي عايز تقتلني 
سفيان بإبتسامته الشيطانية إسم الله عليك . أيوه يا عمي أنا جاي عشان أقتلك
و أقولك الكبيرة كمان أنا إللي قټلت ولادك . ياسر و بدر و خيري .. أنا إللي عملت القلق في البلد و قومتها عشان ماخليش دليل ورايا و بعدين بعتلهم ناس محترفين مخصوص عشان علي حياة عينك و يحرقوا قلبك عليهم
العم پصدمة مضاعفة 
إنت .. إنت إللي ليه 
سفيان و قد إكتسح الڠضب ملامحه و نبرات صوته 
هو إيه إللي ليه إنت نسيت إنت عملت إيه 
نسيت عملت إيه فيا و في أبويا و أمي و أخواتي يا عمي ده أنا صممت أخلي حسابك إنت للأخر عشان أدوقك من نفس الكاس و أعيشك يومين غم قبل ما أبعتك لربنا هو بقي يكمل بقيت حسابك
العم بإنفعال حساب إيه يا وله ده أني إللي هقطع خبرك و آا .
بس إهدا علي نفسك شوية ! .. قاطعه سفيان بصرامة و أكمل بخبث 
ماتتعصبش أوي كده . أنا محتاج أوي لتركيزك الشوية الفاضلين دول .. و ھجم عليه ممسكا به
هم العم بالصړاخ فكمم سفيان فمه و أنهضه من فراشه ملقيا به علي كتفه ... وضعه علي الكرسي المتحرك الذي وجد بجوار السرير
قيد يديه خلف ظهر الكرسي و أحضر منشفة صغيرة و حشرها بفم العجوز العصبي ليسكت صراخه المزعج ..
إعتدل في

وقفته أمام عمه و مد يده و سحب مسدسه المزود بكاتم الصوت من جيب بنطاله الخلفي ثم أشهره في وجه العم و أكمل كلامه 
أنا مش ھقتلك غدرحتي لو إنت عارف الأسباب لازم تسمعها مني قبل ما أنفذ إللي جيت عشانه
من 17 سنة .. كان عمري وقتها 21 سنة و كنت مسافر أدرس في أمريكا . جدي ذكريا الداغر ماټ و هو بيعمل عملية في قلبه . مافاتش علي مۏته 40 يوم و كنت بتتعارك إنت و أبويا
علي العمودية العركة كبرت و وصلت للقتل . قټلت أخوك يا عمي و طلعت منها بعيار طايش . عن طريق الغلط . بعدها إتجوزت أمي ڠصب قبل حتي ما العدة تخلص . إخواتي الصبيان يوسف و محمد إللي كانوا أطفال و مالهمش ذنب في أي حاجة غرقتهم في السواقي منغير ماتحس بذرة شفقة عليهم . و إللي لحقت تهرب منك قبل ما ټقتلها وفاء أختي . جاتلي علي أمريكا و حكتلي علي كل حاجة
بعديها بفترة سمعنا و جبت منها عيال من نسلك . عاشت معاك 5 سنين و من القهرة ماټت في الأخر
صمت سفيان للحظات و أردف بجدية 
عارف رغم إن ولادك التلاتة يعتبروا إخواتي .. بس أنا مش ندمان أبدا إني قټلتهم و لا حتي زعلان عليهم
دول كانوا زرعة في أرض طاهرة و كان لازم أمحيهم من الوجود . دلوقتي أمي تقدر ترتاح في تربتها
فاضل أبويا و إخواتي . يوسف و محمد
و أحكم قبضته علي شد صمام الأمان ليهئ خروج الطلقة التي إدخرها لسنوات من أجل هذه اللحظة ..
شخص العم ببصره و غمغم بالرفض و هو يتلوي في الكرسي
ليضحك سفيان و يقول بإسلوبه الماكر 
نفس العيار إللي ضړبت بيه أبويا . جبتهولك مخصوص يا عمي . بالله عليك ماتنساش لما تشوفه تسلملي عليه و تقوله سفيان إبنك .. هو إللي خدلك حقك
ثم ضغط علي الزناد ضغطة وحيدة حاسمة 
كانت درجة الحرارة لا تطاق في الشوارع عندما أوقفت يارا سيارتها داخل المرآب و هرولت مسرعة نحو منزلها الذي تظلله الأشجار ذات الأوراق الكبيرة
شعرت يارا أن الطقس قاتم و مكفهر مثل مزاجها تماما بعد العراك الذي نشب بينها و بين رئيس تحرير الجريدة التي تعمل بها كصحفية
لقد إشترطت علي ذلك الأرعن الرزيل قبل أن تلتحق بعملها بأنها لن تسافر إلي أي قرى أو نجوع لتغطية أي خبر كان
كانت توافق علي السفر إلي خارج البلاد أحيانا و ضمن فريق كامل من زملائها كانت تهوى تغطية الحفلات و المهرجانات و المؤتمرات هذا ما تفهم فيه أكثر
و لكن رئيسها لم يعجبه ذلك فأوكل إليها مهمة تغطية تحقيق مقټل عمدة إحدي القرى بالفيوم
لن تذهب لقد عقدت العزم علي هذا و إن وصلت إلي حد فصلها من الجريدة لن تسافر ...
غمغمت يارا بتذمر و هي تبحث في حقيبتها عن مفاتيح المنزل و ما أن أصبحت بالداخل حتي غمرتها الراحة النفسية
بحثت عن أمها و هي تهتف 
مامآااا .. مامآااا . يا ميرڤت . إنتي فين يا حجة ...
إيه يابنتي الغاغة دي .. قالتها الأم بإنزعاج و هي تدخل من باب الشقة
تلتفت يارا لها و تقول بتبرم 
إنتي كنتي فين يا ماما أنا كل ما أجي من برا
ألاقاكي في حتة شكل . كنتي فين يا ميرڤت 
ميرڤت بضيق سبيني في حالي ونبي يا يارا
لسا جاية من عند خالتك سعاد و مغمومة علي أخري و الله
يارا و هو تلوي فمها بإمتعاض 
إيه إللي حصل تاني . مين المرة دي أحمد و لا كريم و لا هشام 
ميرڤت هشام
يارا و عمل إيه سي هشام إشجيني
ميرڤت سرق طبنجة ظابط
يارا و هي تشهق پصدمة 
يخربيته .. نهاره إسوود و عمل كده ليه 
ميرڤت هو و صحابه كانوا صايعين إمبارح في الشارع لحد أخر الليل فضلوا يضايقوها لحد ما وقفهم أمين دورية . الظابط نزلهم و إداهم كام شتيمة فمسكوا فيه . واحد عوره و التاني كسرله إيده و إبن خالتك الباشا سرق و جري هربان علي البيت
يارا پغضب الحيوآان .. ده يستاهل قطع رقبته . طبعا خالتي مخبياه دلوقتي و البوليس بيدور عليه
ميرڤت بسخرية البوليس قبض عليه يا حبيبتي
صاحبه الوحيد إللي إتمسك قر عليهم من أول ألم
يارا يا نهآااار إسووود .. طيب محدش راح يخرجه و لا حد عمل أي حاجة 
ميرڤت بضيق شديد لأ محدش عرف يعمله حاجة حتي الكفالة عشان يخرج ماينفعش . هيتحبس 15 يوم علي ذمة التحقيق و الله أعلم هترسي علي إيه
منه لله الواد ده هيجيب أجل أمه
يارا بتهكم ممزوج بالغيظ الشديد لأ و إنتي الصدقة يا والدتي ال مع بعض هيشلوا أختك عن قريب .. ثم أخرجت هاتفهها مكملة 
عموما أنا هتصرف كلمي خالتو و طمنيها
ميرڤت بتلهف بجد يا يارا هتعملي إيه 
نظرت يارا لها و قالت بتأفف 
هعمل إيه ! هعصر علي نفسي

فدان لمون و هكلم مستر هتلر
ميرڤت بإستغراب هتكلمي مين إيه هتلر ده !
يارا بضيق الأستاذ شكري .. رئيس الزفت التحرير !
هنا في هذا الحى القاهري الراقي و الذي يتميز بالعزلة و الهدوء بعيدا عن ضجيج المدينة ... تبرز مساحة من الأرض
تقع في الجزء الجنوبي الغربي للمنطقة توضعت عليها ڤيلا آلداغر الفخمة الشامخة
الحراسة تطوق المنزل و الحركة ساكنة بالحديقة إلا من تمايل أغصان الشجر و زقزقة العصافير
تظهر إمرأة في العقد الرابع من عمرها عند الشرفة العلوية للمنزل تلقي نظرة قلقة علي مرآب السيارات و تطمئن فجأة حين لمحت سيارة أخيها في مكانها
تترك الشرفة و تنطلق صوب غرفته تفتحها دون أن تدق

انت في الصفحة 1 من 9 صفحات