رواية "احفاد الچارحي" الجزء الخامس من الفصل الأول حتي الثالث
هو الأخر لمكتبه ضم عدي يديه بجيب سرواله ثم خطى من مكتب لأخر والجميع يراقبه من طرف أعينهم إلى أن كسر حاجز الفضول حول عقابهم المس
استدار تجاه مكتبه فجأة بنظراته الثاقبة فارتد حازم بمقعده للخلف بړعب وخاصة حينما طرق بيده على سطح مكتبه
_في عقاپ تستحقوه أنت وهما..
وعاد لينتصب بوقفته بشموخ اتبع هيبة قراره الحازم
فغرت الأفواه ومن بينهم عمر الذي قال
_طب وبالنسبة للخروجة اللي البنات معشمين نفسهم بيها من شهر فات دي!
اتجهت نظراته تجاهه فأسرع بالحديث لينجو
_أي حاجة تتأجل.. ولا يهمك يا وحش.
عاد ليتطلع أمامه بثبات وهو يشير لياسين الذي يكبت ضحكاته بسيطرة تامة
من الكتب والأبحاث والأوراق الملخصة لتجارب رجال أعمال من رواد الصناعة في مصر والعالم العربي ثم بدأ بالدراسة وكأنه طالب ثانوي يستعد لامتحاناته جيدا ساعات متتالية قضاها بالمذاكرة بتركيز وتمعن إلى أن دقت ساعة المنبه الخاص فرفع سماعة الهاتف المخصص لمكتبه وبخشونة وصرامة قال
اتاه صوت السكرتيرة تجيبه باحترام
_حاضر يا فندم.
وبالفعل ما هي الا ثوان معدودة حتى وجده يقف من أمامه فقال وهو يغلق باب المكتب جيدا من خلفه
_آسف نسيت خالص.
حدجه عدي بنظرة ساخطة اتبعها قوله اللازع
_لا أنت شكلك اخدت على مكالماتي كل يوم.. وشكلي هخليك معاهم لبكره لانك متهم بالتقصير في عملك زيك زيهم.
_كده كده بايت هنا يا حبيبي.. أنت فكرك أنهم هيسبوني انا وأحمد نروح كده.. قلبك أبيض.
ثم جذب أحد الأقلام وهو يشير له عند نقطة دونها ببطء ولسانه يردد ما كتبه
احتدت نظرات عدي تجاهه فقال بسخط
_أنت بتعلم ظابط شرطة ازاي يبقى سڤاح!
بابتسامة تحمل معنى الفخر لما حصده خلال سنوات العمل الطويلة مع عمه وأبيه قال
_في شغلنا لازم تتعلم ازاي تقلب التربيزة على منافسينك حتى لو هتختار طريقة مش كلاسكية.. المهم صدى الضړبة اللي تعلم ومتتنساش.
_بيانات ومعلومات المنافس.
ضيق عينيه باستغراب
_ليه هو متهم بقضية هتطلعله فيش وتشبيه!
نهض عدي عن مكتبه ثم اتجه لمكينة القهوة الموضوعة بركن منعزل عن غرفة المكتب الضخمة فصنع كوبين واقترب ليضع مقابله كوبا ارتشفه بتلذذ وهو يردد بثقة مخيفة
_مش لازم عشان تعرف طبيعة الشخص اللي هتشتغل معاه انك تكون ظابط شرطة.
ووضع الكوب على الطاولة وهو يشير إليه
_مش هتقدر تتغلب على شخص وأنت مش دارس انطباعاته كويس حتى لو هيجمعك بيه شغل مؤقت ولا أيه!
هز رأسه بتأكيد وابتسامة اعجاب تشكلت على شفتيه فنهض عن مقعده ثم ارتشف قهوته سريعا ارتدى جاكيته وعقد جرفاته من جديد واتجه للخروج وهو يخبره بعجلة من أمره
_هرجع أكمل شغلي ولو عوزت أي حاجة ابقى كلمني.
أومأ برأسه وهو يتفحص الملف الخاص بأحدى الصفقات التي وكل بها يحيى الچارحي وأبيه فحرص على دراسة درس طريقة كلا منهما بالتعامل في العمل ليتفادى تكرار ذاته مجددا وكأنه يود صناعة بصمة خاصة به..
وبعد ساعتين انفتح باب مكتبه مجددا فطل أحمد من خلفه وهو يلوح له بمرح
_لو مشغول ممكن أرجع في وقت تاني.
أغلق الكتب من أمامه وهو يشير له بجدية
_ادخل يا أحمد.
اقترب احمد منه ثم وضع الملفات التي يحملها على طرف مكتبه بنظرة مشفقة لما يراه من عدد ضخم من الكتب والاوراق فعاد لمزحه مجددا حينما قال
_عمرك شوفت تلميذ بيدي للمدرس حصة آه لو حد من الشباب دري هتطلع على النشرة.
أبعد مقعده المتحرك عن مكتبه ثم نهض واتجه ليجلس على الاريكة المريحة وهو يشير له بابتسامة عابسة
_متقلقش مش هيحسوا بحاجة من ضغط الشغل اللي أنا زنقهم فيه.. مفيش بايدي حاجه اعملها غير كده على الاقل لحد ما أحس اني بقيت جاهز.
عارضه أحمد حينما قال
_بس انا شايفك جاهز من دلوقتي يا عدي أنا منساش انك ما شاء الله قدرت تخلص صفقة الحديد والاسمنت بعد ما فقدنا الامل انها هترسى علينا. ثم ان عمر مش هيكون أمهر منك ولا أيه!
تمدد على الأريكة بتعب بدى بنبرته الهادئة
_لا يا أحمد محتاج لسه أدرس الموضوع أكتر زي ما أتعلمت من شغلي اني أذاكر كل قضية كويس قبل ما أجمع الخيوط كلها ممكن أبدأ وواثق اني هنجح بس ده مش هيرضيني.. أنا مش عايز النجاح ده.
تساءل بدهشة
_أمال عايز أيه
ابتسامة ماكرة لاحت على شفتيه انبعت عما يبنيه من آمال لا سقف لها
_عايز أكون أفضل من ياسين الچارحي نفسه!!
بمكتب اللواء مصطفى القاضي.
قلب بين محتويات الصور التي يحملها من أمامه پصدمة سيطرت على لسانه العاجز عن النطق اشتعلت الډماء بعروقه فانتفخت وكأنها ستنفجر فألقاها على المكتب من أمامه بعصبية سكنت داخل نبرته المنفعلة
_إزاي ده كله يحصل وميكنش عندي علم بيه يا رفعت!
بدأ القلق يتسرب على وجهه الذي يملأه التجعيد فابتلع ريقه بتوتر وهو يختار ما سيقوله بعناية
_من بعد هروب المچرم بذلنا مجهود كبير اننا نقبض عليه بس للاسف معرفناش نوصله وبعد السنين دي كلها اتفاجئنا بحاډث مۏت الرائد حسام ومن بعده شريف والوقتي عمرو والتلاتة ماتوا بطريقة بشعة زي
عاد الارتباك يتراقص على معالمه من جديد وهو يخبره
_المقدم عدي الچارحي يا باشا.
صعق حينما استمع لما قال وخاصة حينما اكمل حديثه قائلا
_ده مچرم مش عادي يا فندم وراه ناس تانية ساندينه برة مصر حاولنا بكافة الطرق اننا نكشفهم او نكشف نشاطهم بس مسابوش غلطة واحدة وراهم وعدي باشا نفسه قبل ما يستقيل كان شاكك ان في مصايب تانية
اعترض عن طري بكل اهتمام تأهبت لاجله حدقتيه المصعوقة من أمر ما وخيوط جمعها ببراعة وفجأة تطلع لمن يجلس مقابله وهو يردد
_عدي في خطړ أكبر مما نتوقعه يا رفعت.. لازم نتحرك بسرعة والا لو حصله حاجة هتبقى عيبة في حقنا كلنا ان ظابط قدم لشغله كل حبه وتفانيه وبالنهاية يحصله كده.
وجذب هاتفه ثم عبث بازارره بتردد وتركه جانبا وهو يزفر
_مفيش غير واحد هو اللي هيقدر يستوعب حجم الخطړ حولين عدي بس للاسف باللي هعمله ده ممكن اتعرض للمحاكمة وأنت عارف ليه!
تفهم الأمر كونه شرطي فأملى بهدوء اقتراحه
_ممكن حضرتك متدخلش في تفاصيل تخص القضية.. يكفي انك تنبهه.
وبفضول تساءل
_بس حضرتك تقصد مين بكلامك
رفغ رأسه وهو يتطلع للفراغ بابتسامة تنبع بكل فخر
_ياسين الچارحي.
كعادتهم كل مساء تستعد كلا منهن ويترقبن لحظة وصولهم للوفاء بوعدهم التي باتت تنكس الفترة الأخيرة جلسوا بالأسفل جوار بعضهن البعض وأعينهم تراقب عقارب الساعة التي أصبحت تزحف ببطء على الثانية عشر ليلا فنهضت مليكة عن الأريكة المطولة وهي تشير لهم بتذمر
_قوموا ناموا محدش هيجي ولا في خروجة أصلا.
حاولت ملك تلطيف الأجواء فقالت
_ما يمكن على الطريق يا حبيبتي..
أجابتها داليا بسخرية
_بقينا نص الليل يا طنط.. هنخرج السعادي ونروح فين!
أضافت شروق بحزن تغلب على نبرتها الشبه باكية
_محدش عاد مهتم بينا من الأساس.. تصبحوا على خير.
وتركتهم وصعدت حتى لا يرى أحدا دمعاتها البائسة حملت نور طبق المقبلات ثم جلست على الأريكة لجوار رحمة ونسرينووضعت الطبق بينهما
_سبكم منهم احنا ممكن نفرح نفسنا من غيرهم..
التقطت منها رحمة المقبلات والتسالي فتناولت بغيظ وكأنها تفجر ما تخفيه خلف ڠضبها الهادئ وأشارت لها بانزغاج
_ما تفتحيلنا حاجة نتفرج عليها طيب.
هرولت تجاه التلفاز وهي تشير لها
_عيني..
اضافت مليكة بغيظ
_وعشان نثبتلهم انهم مش في دماغنا هنقعد ونسهر للصبح من غيرهم.
قالت رانيا بحماس هي الاخرى وهي تهم بالوقوف
_وأنا هعملكم بان كيك يستاهل بوقكم.. وهشوف أيه جوه ينفع للأكل أو ممكن نطلب اكل من برة أيه رأيكم!
مررت نور يدها على بطنها المنتفخ بجوع
_كلك نظر يا بت.. اطلبي من بره أسرع.
راقبت ملك ما يحدث بدهشة حينما حولت الفتيات قاعة الاستقبال لمطعم فاخر ووضعن التسالي والمشروبات فهمست ببسمة ساخرة
_يطلعوا همهم على الأكل أحسن ميطلع على الاولاد!
الهدوء يعم المكان بأكمله ولم يبقى سوى صوت عقارب الساعة التي لا تتوقف عن صياحها الهامس فكان صرير الباب المنخفض مسموعا للغاية وسط ذلك السكون المخيف ومن بعده خطوات متسللة وضحكات كتمت على وجه ياسين وأحمد وكلا منهما يتفحص الحالة العجيبة الساكنة على وجوههم جاسم يغفو فوق سطح مكتبه ب يحصل على تدفئة خاصة تمنحه النوم بالسلام بعيدا عن غضبهم كونه السبب لما تعرضوا له.
اتجه أحمد للخزانة السرية ففردها ليتفرد منها سريرين ومن ثم اتجه لعمر فحاول أن يجعله يستيقظ بهدوء وجده يتحدث بصوت خاڤت غير مسموع فانحنى تجاهه وهو يحاول أن يسترق السمع لهلوساتهفوجده يهمس بخفوت
_٦مليون و٤٠٠الف.
ضحك بصوته كله فعاد لمحاولاته البائسة بإيقاظه فحركه من جديد بدأ عمر بفتح عينيه بارهاق فردد بنوم يغلبه
_أحمد أنت لسه هنا!
هز رأسه وهو يبعد الملفات للخلف بتفحص
_هيجيني قلب أمشي من غيركم.. طب تيجي ازاي دي.
ارتسمت علامة الاعجاب على وجهه وهو يتفحص الحسابات التي تخطها عمر ببراعة فلم يتبقى له سوى المجموع الكلي فقال
_جمعتهم فعلا بس معرفش النوم غلبني ازاي... عموما هات لما أحط المبلغ الاخير.
جذب أحمد القلم ثم دون وهو يردد
_٦مليون و٤٠٠ألف... صح كده
جحظت عينيه في ذهول
_عرفت ازاي
ضحك وهو يشير له بسخرية
_أنت لو مخطۏف هتقر معاك كام بالبنك من قبل ما تأخد القلم والذي منه.
منحه ابتسامة هادئة قبل أن يعود لاحتضان مكتبه ليستعد لنوم يطارده من جديد فأعاده أحمد
لمقعده من جديد وهو يشير له ببسمة هادئة
_فردتلك الخزنة عشان تريح شوية.
اعترض على اقتراحه وهو يحاول فتح عينيه
_لا لا أنا ورايا لسه ملف واحد.. هخلصه وهروح على طول.
أيظن بأن مراجعة حسابات ضخمة مثل تلك ستحتاج للسرعة التي تصل به للمنزل بعد قليل تجاهل أحمد شرح تلك النقطة فاحتفظ بها لنفسه وقال
_طب ادخل أنت نام شوية وأنا هخلص الملف ده.
كاد بالاعتراض فأوقفه حينما أعاد المقعد للخلف وأشار له بالنهوض ثم اتجه لمكتب رائد المجاور لعمر فوضع يده في يديه وهو يشير له بسخرية
_خد أخوك في ايدك وأنت داخل.
ضحك وهو يشير له
_عنيا.
وبالفعل ايقظ