الجزء الأول رواية هوس بقلم ياسمين عزيز
تبتلع بقية شهقاتها بداخلها حتى شعرت
بكف والدتها الحنون تمسك يدها... لتنتفض
بهلع قائلة بغصة مامي إنت كويس اندهلك
الدكتور....
سعلت هدى قليلا قبل أن تجيبها بصوت متعب
و ضعيف لا يا حبيبتي انا كويسة... مټخافيش
عمر الشقي...
سيلين پبكاء و هي تمسك بيدها كف والدتها
الباردمام الدكتور قال لازم عملية ب 60 الف
سأبيع المنزل... لكن يلزمني القليل من الوقت
و الطبيب يقول يجب أن تخضعي للعملية
في اقرب وقت...
هدى بابتسامة ضعيفة متقلقيش يا حبيبتي
انا حبقى كويسة...متبكيش يا ضنايا كل مشكلة
و ليها حل بإذن الله...
سيلين بدموع أعلم و لكني سأموت إن حصل
انت كل عائلتي... يجب أن تصمدي من أجلي...
غدا صباحا سأذهب إلى كل مكاتب بيع العقارات
و
سوف ابيع المنزل بأي ثمن.. الطبيب قال لي
اننا نستطيع تقسيم المبلغ ندفع حزءالان و الباقي بعد العملية...
أغمضت هدى عينيها بتعب فقد حان الوقت
المناسب لتنفيذ ماعزمت عليه منذ رحيل زوجها
ستفعل اي شيئ لإنقاذ وحيدتها من الضياع في هذا
البلد الغريب الذي إلتهم سنوات عمرهما دون
رحمة....
أخذت نفسا عميقا قبل أن تتحدث بهدوءمفيش
داعي تبيعي البيت... انا حقلك إزاي تجيبي
فلوس العملية... إسمعيني كويس يا بنتي
و متقاطعينيش عشان انا بتكلم بالعافية....
أن تركز جميع حواسها مع حديث والدتها....
...... داه أحن واحد فيهم انا ربيته زمان
لما كان صغير...انا سبته و هو عمره إثناعشر
سنة اكيد لسه فاكرني...عشان خاطري. ياحبيبتي
وافقي و روحيله...انا بقالي سنتين بتابع أخباره
هو كبر و درس محاماة بس هو حاليا ماسك
و هو ذكي جدا انا كنت عارفة إنه لما حيكبر
حيبقى حاجة عظيمة و فعلا مخيبش ظني...
تنهدت سيلين باستسلام فهي و إن كانت في الماضي ترفض الذهاب لمصر و الالتقاء بعائلة والدتها
إلا أنها مضطرة الان من أجل والدتها..
تحدثت بصوت منخفض دلالة على موافقتها
رغما عنها و هذا ماكانت تعلمه والدتها لكنها
ثمن العملية بل من أجل وحيدتها الصغيرة...
لاتستطيع تركها وحيدة دون مأوى و سند يحميها
من هذه الحياة القاسېة...
تمام... و انا وين حيعرفه انا نسي إسمه
هدى إسمه سيف عز الدين...ادخلي اوضتي
حتلاقي في الدرج الثاني بتاع تسريحتي... في
شوية فلوس كنت مخبياهم من مصروف البيت
و معاهم صندوق صغير بني فيه صور كثير...صور عيلتي اللي دايما بفرجك عليهم...
اومأت سيلين بتفهم لتكمل تحت الصور حتلاقي
ظرف أبيض صغير إفتحيه حتلاقي ورقة
فيها عنوان الشركة الرئيسية للمجموعة هو
دايما بيكون هناك...و مع الورقة حتلاقي
سلسلة فضة فيها قلب صغير... القلب داه بيتفتح
جواه صورتين واحدة صورتي زمان قبل ما أتجوز
و الثانية صورة سيف... السلسلة دي كان
هدية منه عشان كان بيحبني اوي و قريب
مني جدا... كان بيعتبرني أمه الثانية....
سيلين بقلق حاضر انا الليلة ححجز في أول
طيارة نازلة مصر و حروحله الشركة و حاخذ
السلسلة معايا.... بس انا خاېف هو مش
يفتكر إنت...
هدى سيف اللي انا أعرفه عمره ما حيعمل
كده...إحنا نحاول يا بنتي و الباقي على ربنا
لو مصدقكيش إبقى كلميني و انا حفهمه....
سيلين پخوف و قلق حاضر مام...
قاطع حديثها دخول الممرضة لتطلب
من سيلين مغادرة الغرفة لترتاح والدتها....
لا تقلقي امي سوف احاول و لن ايأس
ابدا... لن أسمح بخسارتك ابدا.. لا تقلقي
انا إبنتك و أنت تعرفينني...لا أستسلم
بسهولة...سأهاتفك عندما اصل هناك....
إبتسمت لتهدأ من قلق والدتها عليها عليها
فابنتها لازالت صغيرة وهي لم تذهب من قبل
لمصر لتبادلها الأخرى إبتسامة خفيفة قبل أن
ترتخي ملامحها و تغط في نوم عميق.....
عادت سيلين إلى المنزل الموحش بدون
وجود أمها... انارت الصالة ثم نظرت أمامها
نحو الكنبة التي كانت تجلس عليها هدى
كل ليلة تنتظرها حتى تعود من عملها.. رمت
حقيبتها أرضا لتهرول نحو الاريكة لترتمي
عليها و تجهش پبكاء مرير... الان فقط
أحست باليتم رغم أن والدها غادر و تركهما
وحيدتين...إلا أن والدتها عملت كل ما في وسعها
حتى تكون لها الاب و الام في نفس الوقت
لطالما سهرت الليالي تعمل على آلة الخياطة
إلى جانب عملها اليومي بالمصنع حتى تستطيع
سيلين إكمال دراستها و شراء الملابس و الأكلات
التي تحبها حتى لا تشعرها بأي نقص او إختلاف
عن صديقاتها اللواتي يمتلكن آباء....لطالما شعرت
بلمساتها الحنونة إلى جانبها كلما شعرت بالخۏف
فهي كانت الملجأ الوحيد لها تحتمي به من الدنيا
القاسېة... في حزنها في فرحها في مرضها لم
يكن غيرها إلى
جانبها يواسي وحدتها حتى
صارت كل حياتها...
لكنها الان غير موجودة...بدا لها المنزل كقبر
مظلم بدونها... هي تبكي الان و خائڤة لاتستطيع
المكوث لوحدها لليلة واحدة فكيف لو فقدتها...
ظلت تبكي لساعات حتى جفت دموعها قبل
في ذلك المكان المهجور....
فتح الباب من جديد لتنكمش يارا بړعب
صوت أقدام توحي بدخول أحدهم...لترفع رأسها
حيث إصطدمت عيناها بزوج من الاحذية الفاخرة
أمامها...
رفعت رأسها ببطئ متجاهلة السيول المنهمرة
منهما لتجد أمامها رجلا طويلا و ضخما لا يقل ضخامة عن الرجلين اللذين كانا هنا منذ قليل
عريض المنكبين ببشرة قمحية و عينان سوداوان
غامضتان تتفرسانها بنضرات ثاقبة مخيفة
عقدت حاجبيها باستغراب فوجهه يبدو مألوفا
لها لكنها لم تتذكر أين رأته.. ربما من شدة
خۏفها ذاكرتها مسحت تلقائيا...
كان يرتدي بدلة فاخرة كحلية اللون بدون ربطة
عنق... عطره الحاد كملامحه إنتشر بكامل
الغرفة مما زاد في إضطرابها...
وضع يديه في جيوب بنطاله ناظرا إليها باستعلاء
تحت قدميه...شعور الانتشاء و الراحة تسللا داخل
جسده عند رؤيتها ذليلة و خائڤة و ضائعة... تماما
كحاله عندما تركته منذ سنوات...
زفر بانفاسه بجمود قبل أن يجلي حنجرته
متحدثا بصوت بارد لسه زي ما إنت...متغيرتيش.
جاهدت لتقف على قدميها أمامه
بعيون صقرية تراقبها بتمعن شديد لتجفل
قليلا قبل أن تجيبه بارتعاش واضح في
صوتها إنت... مين
قهقه عاليا حتى تردد صوت صدى ضحكاته
في ارجاء الغرفة الضيقة قبل أن يتوقف
________________________________________
فجأة
و قد تحولت ملامحه الهادئة إلى أخرى تحمل
الچحيم في ثناياها ليقول بصوت عميق
واثق أنا صالح عزالدين...و رجعت عشان
آخذ حقي منك... انا وعدتك زمان و انا لما بوعد
بوفي....
إندفعت نحوه يارا و هي تمسح دموعها بظاهر كفها
قائلة بلهفة صالح...الحمد لله إنك جيت انا كنت
حموت و الله الناس اللي برا دول عاوزين ېموتوني
ارجوك خرجني من هنا... .
دفعها بغل على الأرض قائلا طول عمرك
أنانية متغيرتيش.. مش بتفكري غير في نفسك....
نظرت نحوه بذهول و هي لاتصدق مايقوله
ليكمل بنفس الحدة طب إيه رأيك إن انا اللي
جايبك هنا...
يارا بتوهان إيه جايبني هنا... طب
ليه
صالح و هو يرمقها باستعلاء و غرور ما انا
قلتلك...عشان آخذ حقي منك...
حاولت الوقوف ثانية رغم المها لتنجح
في ذلك قائلة بصړاخ حق إيه إنت تجننت
باعثلي ناس مجرمين يخطفوني و جايبني في مكان ژبالة زي داه و تقلي حقك.. حق إيه
لم يكن رده سوى صفحة قوية من يده
الضخمة على وجنتها الرقيقة حتى سالت
الإهانة التي شعرت به فهي المدللة التي
لم يتجرأ احد من قبل علي لمس شعرة
واحدة منها...
لفت راسها ببطئ تنظر له پصدمة لتجده
في يده هادرا بصوت مرعد أول و آخر مرة
تعلي صوتك قدامي...يا ژبالة زيك
زي العيال اللي إنت مصاحباهم لا فوقي
و إعرفي انا مين انا صالح عزالدين
اظن إن إنت فاكراه كويس و لو نسيتي
مفيش مشكلة انا حعرف افكرك فيا إزاي
بشعرها بقوة حتى شعرت بأن بعض الشعرات
ارجوك سيب شعري... حيطلع في إيدك....
قاطع كلامها بلهجة اكثر حدة و هو يكز
و من هنا و رايح متتكلميش غير بإذني....
سامعة....
و تغوري من هنا و خلي تليفونك في إيدك عشان
لما اتصل بيكي الاقيكي موجودة.... و على الله
تتأخري ثانية في الرد...أقسم بالله لخليكي
المۏت من اللي حعمله فيكي....
تركها في ذهول تام مما يحصل...
من صدمة خطڤها حتى تبينت لها هوية
الخاطف..لطالما ظنت انه صفحة من الماضي
و إنتهت رغم إحساسها بالذنب الذي كان ېقتلها
كلما تذكرته... كيف لعبت بمشاعره رغم أنه
أحبها بصدق لكنها كانت دائما تعذر نفسها بأنها
كانت صغيرة و طائشة حتى تتحمل مسؤلية
مشاعر جديدة لم تشعر بها في حياتها...
شخصيتها المدللة و المغرورة جعلتها تعتقد
انه من حقها أن تخطئ و لا أحد يجب عليه
الاعتراض او محاسبتها...
نظرت إلى الباب الذي فتح مرة أخرى
بترقب لترى احد الرجلين الذين رأتهما
منذ قليل لتجفل
و ترتعش پخوف و هي
تتراجع إلى الوراء
رمي لها الكيس ليسقط عند قدميها
ثم قال بسماجة و إبتسامة
خسارة فلتي من إيدينا الليلة بس متقلقيش
انا حبقى أكلم الباشا عشان يديلنا
فرصة ثانية....يلا يا عروسة إلبسي داه و
مطوليش... دقيقتين و أرجعلك....
غمزها بقلة حياء لتشعر يارا يرغبتها
في التقيئ...لكنها تحاملت على نفسها
لتلتقط الكيس من الأرض و تخرج محتواه
لتجده عباءة سوداء فاخرة... أسرعت
نحو الباب لتتأكد من إغلاقه باحكام
و ترتدي العباءة فوق فستانها بسرعة
قبل أن تعيد فتح الباب من جديد ليدخل
بعدها ذلك الحارس الكريه قائلا يلا يا عروسة
خلينا نمشي...حنرجعك لبيتك....
تبعته إلى الخارج لتتفاجئ بأن الغرفة
تقريبا تحت الارض بعد مشت في ممر طويل
ينيرة بعض المصابيح القديمة لينتهي بسلم
من عدة درجات صعدته يارا وراء الحارس
ثم وجدت نفسها في حديقة كبيرة
لم تتضح لها سوى بعض الأشجار العالية
تحيط بفيلا كبيرة لم يظهر منها سوى القليل
بسبب الظلام....
وجدت صالح أمامها يتفرس هاتفه الذي
وضعه بجيبه و بقي ينظر لها.. توقفت عن
السير لكن الحارس تكلم ليطلب منها أن تتبعه
يلا خلينا نمشي....
تبعته متجهين نحو سيارة سوداء كبيرة
ليفتح لها الباب الخلفي و تصعد و هي مازالت
تنظر لصالح الذي كان ينظر نحوها بوجه جامد
بتعابير غامضة.... سارت السيارة حتى
إختفى عن مرمى مصرها متخذة طريقها
نحو وجهتها و عندما خرجت السيارة من
سور الفيلا رفع الحارس البلور ليمنعها من
رؤية الطريق ...
بعد أقل من ساعة توقفت السيارة ثم
فتح الباب... نزلت لتجد نفسها أمام ذلك
الملهى و بجانبها غير بعيد عنها وجدت
سيارتها... أسرعت نحوها لتفتح الباب
لتجد حقيبتها في الكرسي الجانبي...
اغلقت الباب بسرعة ثم شغلت السيارة
قادتها بعيدا عن هذا الکابوس الذي
جعلها تعيش أصعب لحظات حياتها...
لم تعد تريد في تلك اللحظة سوى الاختفاء
تحت أغطية سريرها و النوم