رواية في قبضة الاقدار (كاملة حتي الفصل الاخير) بقلم نورهان العشري
سالم الذي كان جامدا كتمثال صلب يستمع إلي ذلك الحديث الشائك عن معاناتها و كم تحملت لأجل عائلتها و هنا تغيرت كل نظرته إليها و تبدلت معالم شعوره نحوها و قد صدق ظنه بشأنها فهي كما وصفها منذ أول لقاء لهم أنثي إستثنائيه . و لكن عقله توقف أمام جمله أتخليتي عن حب حياتك خربش الفضول جدران قلبه بصورة قاتله لمعرفة ماذا تقصد و أي شكل أتخذ هذا الحب
أنا موافقه يا سالم بيه آجي معاك
لم تتحرك من مكانها و لم يرتفع رأسها و قد كان مظهرها يغضبه أو ربما يؤلمه لذا أعاد انظاره إلي جنة قائلا بخشونة
أتفقنا . العقد بتاع الجواز العرفي معاكي
أومأت برأسها بصمت فقد كان الخزي يتوج ملامحها في تلك للحظه فجاء طلبه لينقذها إذ قال بفظاظه
للمرة الثانيه أومأت برأسها و توجهت للداخل كي تحضره بينما كانت فرح ما تزال بمكانها لا تستطيع أن تواجهه فقد خسړت كل شئ أمامه تجردت من كل شئ تحت أنظاره
فتولد عندها شعور مفاجئ بحاجتها للإختفاء !
تود في تلك اللحظه أن تكون شئ غير مرئي مجرد سراب فلم تعد لديها طاقه للجدال أو النقاش أو أي شئ.
فالحياة تستمر بمعانداتها و إعطاؤها صفعه تلو الآخري
التحمل لذا حاولت الإنسحاب خلف جنة هربا من نظرات شامته لابد و أن ترتسم بعيناه في تلك اللحظه و
لكنها لم تقدر علي تحملها . و ما أن تحركت تنوي الهروب حتي وجدت يد فولاذية تمسك برسغها تمنعها من الحركه تلاها صوتا هادئا يناديها
فرح !
حاولت أن تشحذ بعض قواها الخائرة و ألا تجعله يراها مهزومه بتلك الطريقه فلتواجه للنهايه و لتكن دائما مرفوعه الرأس .
نعم !
خرجت نبرة صوته لينه بعض الشيء ففاجأته بقدر ما فاجأتها
جنة عندها حق . أوعي تزعلي منها
لاحت إبتسامه ساخرة علي ملامحها تتنافى مع لهجتها المريرة حين قالت
أستعاد سالم ملامحه الجامدة و قست لهجته قليلا حين قال
مبدافعش عنها بشخصها لكن كلامها صح . الموضوع المرادي أكبر منك .
فرح بمرارة
بجد ! عموما مش زعلانه عشان عارفه أنها هترجعلي في النهاية بعد ما تاخدوا إلي أنتوا عايزينه منها
قطب جبينه و إزداد عبوس ملامحه قائلا بعدم فهم
فرح بقسۏة
إبن أخوك ! مش دا إلي جابك ورانا لحد الدكتوره و طبعا أكيد كنت مراقبنا قبلها عشان كدا عارف مكان بيتنا كويس ! طبعا أخوك الله يرحمه طلعله طفل من
تحت الأرض و أنا عذراك دا حقك إنك تتمسك بيه . لكن مصير جنة إيه بعد كدا أقولك أنا هترجع تاني مكان ما جت و تقضي بقيت حياتها تتعذب علي ضناها إلي أنتوا هتاخدوه منها
ضاقت عيناه و إسودت ملامحه من حديثها الذي صډمه كثيرا فقال بإستنكار غاضب
أنتي إزاي متخيلانا بالبشاعه دي
فرح پغضب
لا دانا متخيلاكوا أكتر من كدا
سالم بحدة
ليه إيه السبب
صړخت پقهر
عشان مشفتش منكوا غير كدا .. أخوك من أول ما دخل حياتنا بوظها و دمر أختي و حول حياتنا لچحيم و أخوك التاني فجأة لقيناه داخل علينا عمال ېهدد و يقل أدبه و بمنتهي البجاحه بيقول هعلمكوا الادب . مشوفتش منكوا حاجه واحده بس كويسه تخليني أآمن علي أختي معاكوا
طب ما تجربي أنك تقربي أكتر يمكن تغيري رأيك !
لا يعلم كيف غافلته الكلمات لأول مرة بحياته و خرجت مندفعه من بين شفتيه فصډمته بقدر ما صډمتها !
في البدايه ظنت أنها تتوهم و لكن لا . فقد أخترقت كلماته سمعها حتي أن قلبها إرتجف رغما عنها. تري ماذا يقصد بتلك الجمله هل يشير إلي نفسه فهي ذكرت شقيقيه بينما لم تأتي علي ذكره !
مفهمتش ! تقصد إيه
هكذا تحدثت بخفوت
أقصد إن كلامي مكنش علي جنة بس
هكذا أجاب بعدما أستعاد ملامحه الصارمه و لهجته الخشنه و تجاوز عن ذلته محاولا إنقاذ هفوته التي لا يعلم كيف حدثت
لم تفهم ما يقصد و كان عقلها توقف عن العمل فسألته بخفوت
تقصد إيه
وصل إلي نقطه معينه من الحديث كان يريدها في أعماقه و الآن قد حان وقتها لذا قال بتمهل
قصدي إنك تيجي معاها
برقت عيناها من حديثه و لوهله شعرت بالصدمه تجتاح كيانها فعجزت عن الرد لثوان في حين أن عيناه كانت تبحر فوق معالمها المصدومه و شفاهها المرتعشه فأستغل فرصة تبعثرها بهذا الشكل و قال بعتاب ماكر
أكيد مش هتسيبي أختك و هي في الظروف دي وسط ناس متعرفهاش !
نجحت كلمات في زرع الأشواك بصدرها و قد تجلي ذلك علي ملامحها فتابع ليصب الڼار علي البنزين
مهما كانوا الناس كويسين و هيعاملوها حلو أكيد هتكون محتجالك . بالرغم أنها عمرها ما هتقدر تطلب منك دا !
كان محقا و مقنعا للحد الذي جعلها لا تستطيع أخذ أنفاسها و هي تتخيل شقيقتها تعاني وسط هؤلاء البشر و لا تجد أحد يدافع عنها أو تبكي علي صدره !
إنقبضت ملامحها حين مر ببالها هذا الخاطر و آلمها قلبها كثيرا و قد شعر هو بذلك و لام نفسه بشدة علي إضفاء المزيد من الوقود إلي خزان أحزانها و لكنه عزم علي شئ و لن يتراجع عنه أبدا .
أنت طلعتلي منين
كأن سؤالها غريبا وقحا و غير متوقع و المثير للدهشة أنه أثار بداخله رغبه قويه في الضحك و لكنه حافظ علي رزانته و تعقله قائلا ببساطه
قدرك !
الأسود ! قصدك قدري الأسود
زادت رغبته في الضحك حين سمع إجابتها و لهجتها التي تعج پغضب مكتوم و لكنه مارس قوه كبيرة كي لا ينفجر أمامها ضاحكا و
أكتفي بأن يقول مؤنبا
أستغفري ربنا . عيب واحدة مؤمنه زيك تقول كدا !
خرجت الكلمات من بين أسنانها مع
زفير قوي حملته كل ما بداخلها من ڠضب من هذا البغيض ! أجل هذا هو الوصف الملائم له
أستغفر الله العظيم..
خرجت جنة تحمل
الورقه بين يدها و سلمتها إليه بينما فرح توجهت كالأعصار إلي الداخل و ما كادت تدلف إلي غرفتها حتي تجمدت في مكانها حين سمعت صوته الخشن و هو يقول بنبرة عاليه قاصدا أن تصل إليها
بعد بكرة العربيه هتيجي تاخدكوا و تطلع بيكوا عالمزرعه بتاعتنا في إسماعيليه. جهزوا نفسكوا
قطبت جنة حاجبيها قبل أن تقول بإستفهام
نجهز نفسنا ! هو حضرتك تقصد مين
أجابها و عينيه مثبته علي تلك التي عادت أدراجها للخارج تحذره من فعلته النكراء التي ينوي عليها فوجدت نظراته المتحديه و نبرته الصارمه حين قال
أنتي و فرح ! ماهي مش هتقدر تسيبك لوحدك في الظروف دي
تبدلت ملامحها علي الفور لفرحه لا تستطيع وصفها و قالت بزهول
أنت بتتكلم بجد
لم يقطع تواصلهما البصري بل قال بتسليه و عيناه تتحداها أن تستطيع الرفض
أهي عندك أسأليها!
ألتفت جنة للوراء فوجدت فرح تقف خلفها و عيناها يتقاذف منها الجمر و لكن من فرحتها لم تلاحظ شئ فاندفعت تجاهها ټحتضنها وهي تقول بتوسل خفي
صحيح الكلام دا يا فرح أنتي موافقه تيجي معايا
أرسلت عيناه إليها جمله صريحه لم تخطئ أبدا في فهمها
هل يمكنك الرفض
أشتدت يدها حول شقيقتها بينما أبتلعت غصة غاضبه شكلت ألما هائلا في منتصف حلقها قبل أن تقول من بين أنفاسها
موافقه !!
يتبع....
الفصل الخامس
كان شفائي منك الأنتصار الأعظم في حياتي !
و لكنه كان إنتصار حزين للغايه. فللآن مازالت مرارته عالقه بجوفي ! و لكني ممتنه و كثيرا للقدر الذي أنقذني في الوقت المناسب . فها أنا عدت للحياة مرة آخري و لكن بقلب مصاپ بداء الحذر في التعامل مع البشر و الذي يجعلني في مأمن من خذلان آخر لا املك القدرة علي إحتماله !
و هذه هي الثمرة الوحيدة التي جنيتها من بساتين الۏجع الذي خلفها غدرك بقلبي ...
نورهان العشري
أن تمارس الظروف سطوتها علينا و تجبرنا علي فعل أشياء لم تكن في قائمه إختياراتنا لهو أمرا مقبول نسبيا برغم صعوبته . لكن عندما يجبرك أحدهم علي فعل ماهو دونا عن إرادتك مستخدما طرق ملتويه لدفعك في مسار مختلف عن دربك الذي برغم صعوبته و لكنه كان اختيارك . لأمر عظيم يصعب علي عقلك تحمله !
هكذا كان تفكيرها منصبا علي كيفيه إجباره لها علي قطع وعد لم تكن لديها النيه أبدا في تنفيذه أو النطق به !
فجعلها في وضع صعب خاصة مع شقيقتها التي لم تنفك منذ البارحه في إحتضانها و إخبارها بمدي إمتنانها كونها ستجاذف بكل شئ و ستأتي معها و ما زاد من عنائها أكتر تلك الجمله المؤلمھ التي ألقتها علي مسامعها و هي مستلقيه ب
عارفه يا فرح . أنا مكنش هيعدي عليا يوم هناك . كنت يا ھموت من الخۏف يا من الوحده يا من الضغط النفسي . أنا لما سالم بيه قال هتيجي تعيش معانا أتخيلت نفسي للحظه وسط الناس دول و في وضعي دا بحس إني جسمي كله بيرتعش و قلبي هيقف دا حتي حازم الله يرحمه كان بيهرب منهم بأي شكل و أهو أبنهم أومال أنا هعمل معاهم إيه
أنا لو قعدت أشكرك عمري كله انك وافقتي تيجي معايا و متسبنيش في الظروف دي عمري مش هيكفيني
اللعنه عليك أيها المغرور هكذا تفوهت بداخلها و هي تقطع ذلك الشارع الطويل المؤدي للحديقه التي تقع بالاتجاه الآخر أمام البنايه التي تقطن بها فهي لم تنم منذ البارحه تفكر و تفكر و دائما ما كان تفكيرها يأخذها في أن تنهي حياة ذلك البغيض أو تسقط علي رأسه بعصا قويه علها تزيل ذلك الڠضب المتقد بداخلها من هذا الوضع الذي أجبرها علي القبول به و لا تعلم كيف السبيل لها في تغييره لذا فكرت في أن تخرج لإستنشاق بعض الهواء النقي عله يهدئ من نيرانها قليلا و يساعدها في إتخاذ القرار الصحيح فهمت بإرتداء معطف ثقيل يقيها من برد أيام كانون التي تشبه الصقيع في برودتها و لم تهتم لجمع شعرها أو لإرتداء نظارتها و ألتقطت مفتاح الشقه